حقائق حول
المولد النبوي
بقلم
أحمد بن عبد العزيز الحمدان
" - ص 2 -" بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :
متى ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
اختلف أهل التاريخ والسير في مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متى كان ؟ على أقوال ، فمنها :
أولًا : اختلفوا في سنة ولادته صلى الله عليه وسلم :
الأكثرون على أن ولادته - صلى الله عليه وسلم - كانت في عام الفيل ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ، قيل بعد حادثة الفيل بخمسين يومًا ، وهو قول السهيلي المالكي ، وقيل بخمس وخمسين يومًا ، حكاه الحافظ الدمياطي الشافعي ، وقيل بشهر ، وقيل بأربعين يومًا ، حكاهما مُغلطاي الحنفي ، وابن سيد الناس الشافعي ، وقال الإمام الزهري : بعد الفيل بعشر سنين ، وقيل : قبل الفيل بخمس عشرة سنة ، وقيل : غيره .
ثانيًا : واختلفوا في الشهر الذي ولد فيه - صلى الله عليه وسلم :
فقيل : في شهر صفر ، قيل : في ربيع الآخر ، حكاهما مُغلطَاي الحنفي ، وقيل : في رجب ، وقيل : في رمضان ، حكاهما اليعمري الشافعيُّ ومُغلطَاي الحنفي ، وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وهو موافق لمن قال : إنَّ أمه حملت به أيام التشريق ، وأغرب من قال : إنَّه ولد في أيام التشريق .
ثالثًا : واختلفوا في يوم ولادته - صلى الله عليه وسلم :
فقيل : غير معين ، وقيل : في ربيع الأول ، من غير تعيين اليوم ، نقله الحافظ القسطلاني الشافعي في (المواهب اللدنية) ، وقيل : يوم الاثنين ، والجمهور على هذا ، وقيل : لليلتين مضتا من ربيع الأول ، قاله ابن عبد البر المالكي ، ورواه الواقدي ، عن أبي معشر نجيح المدني . وقيل : لثماني ليال مضين منه ، رُوي ذلك عن ابن عباس وجبير بن مطعم رضي الله عنهم ، واختاره ابن حزم ونقل ابن عبد البر تصحيح أهل التاريخ له ، وقطع به الحافظ محمد الخوارزمي ، ورجحه الحافظ ابن دحية الكلبي ، وقال : هو الذي لا يصح غيره ، وعليه أجمع أهل التاريخ ، وقال القطب القسطلاني : هو اختيار أكثر أهل الحديث وهو اختيار " - ص 3 -" أكثر من له معرفة بهذا الشأن ، وحكى القضاعي إجماع أهل الزيج (الميقات) عليه ، وقيل لتسع خلون منه ، وهذا ما ذهب إليه الباشا الفلكي المصري ، وله رسالة علمية في هذا ، درس فيها الموضوع دراسة فلكية ، ورجحه الشيخ علي الطنطاوي ، وأثنى على رسالته ، وقيل : لعشر مضين منه ، وهو قول الشعبي ومحمد الباقر وصححه الحافظ الدمياطي الشافعي ، وقيل لاثنتي عشرة مضت منه ، وهو قول ابن إسحاق ، وقيل : لسبع عشرة مضت منه ، نقله ابن دحية عن بعض الشيعة ، وقيل : لثماني عشرة مضين منه ، وقيل : لثمان بقين منه ، رواه أبو رافع عن أبيه محمد بن حزم الظاهري .
رابعًا : واختلفوا في وقت ولادته - صلى الله عليه وسلم :
فقيل : ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهارًا ، وقيل : عند طلوع الفجر ، وقيل : عند طلوع أنجم الغِفَر وقيل : ولد ليلًا ، رواه الحاكم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها . والله تعالى أعلم .
أخي الكريم ، علام يدل اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بضبط تاريخ مولد سيد المرسلين رسول الله محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
الجواب : إنه يدل على أنَّ المسلم ليس مطلوبًا منه الاهتمام بتاريخ المولد ، ولا العناية بضبطه ، إنَّما الواجب عليه أن ينظر كيف هو في حبه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومتابعته في شريعته ، واقتدائه بسنته واهتدائه بهديه ، وحرصه على التخلق بِخُلُقِهِ .
فأين نحن – أخي الكريم – مما فرض الله علينا تجاه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ هذا هو الذي ينبغي على كل مسلم أن ينظر كيف هو فيه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
هل احتفلوا ؟
سؤال يطرح نفسه كلَّما أقبل على المسلمين شهر ربيع الأول ، وهو : هل احتفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمولد ، وهل احتفل صحابته ، وهل احتفل سلف هذه الأمة الصالح رحمهم الله تعالى ؟
نترك للعلماء الجواب عن ذلك :
قال العلامة عمر بن علي السكندري المالكي ، المشهور بالفاكهاني ، رحمه الله تعالى : لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولا سنة ، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة ، الذين هم القدوة في الدين . . . بل هو بدعة أحدثها البطالون .
" - ص 4 -" وأقره الشيخ العدوي المالكي في حاشيته على مختصر خليل ، والشيخ محمد عليش المالكي رحمهما الله في ( فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك ) . وقال العلامة ابن الحاج المالكي ، رحمه الله تعالى ، في ( المدخل ) عن المولد إذا خلا من جميع المنكرات : فإن خلا من كل ما تقدم ، فهو بدعة بنفس نيته فقط ، إذ إن ذلك زيادة في الدين ، وليس من عمل السلف الماضين . . . ولم يُنقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ، ونحن لهم تبع ، فيسعنا ما وسعهم . وقال الحافظ ابن حجر الشافعي رحمه الله تعالى : أصل عمل المولد بدعة ، لم تنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة . وقال الحافظ السخاوي الشافعي ، رحمه الله تعالى : عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة ، وإنما حدث بعد . وقال الشيخ نصير الدين المبارك ، الشهير بابن الطباح ، رحمه الله تعالى : ليس هذا من السنن . وقال الشيخ ظهير الدين جعفر التزمنتي ، رحمه الله تعالى : هذا الفعل لم يقع في الصدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحبهم له - صلى الله عليه وسلم - إعظامًا ومحبةً لا يبلغ جمعنا الواحد منهم ، ولا ذرة منه . وقال إمام دار الهجرة ، مالك بن أنس رحمه الله تعالى : من أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خان الرسالة ، لأن الله يقول : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا .
فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا .
عن عِرْبَاضِ بنِ سارية رضي الله عنه قال : صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين ، ووجلت منها القلوب ، قلنا : يا رسول الله ، كأن هذه موعظة مودع فأوصنا! قال : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن كان عبدًا حبشيًّا ، فإنه من يعيش منكم يرى بعدي اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ، وإن كل بدعة ضلالة ) .
والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]